الثلاثاء، 25 أغسطس 2009

كل يوم آية 2 – أفرغ علينا صبراً

هي ليست آية اليوم... و إنما سأحكي لكم قصة قرآنية لطيفة...
هل تعرفون هذه القصة و تلاحظونها عند قرائتكم لآخر ربع من الجزء الثاني؟؟ هى قصة -كعادة قصص سورة البقرة- عن ملأ من بني إسرائيل، من بعد سيدنا موسى عليه السلام، قالوا لنبي لهم أنهم يريدون الإذن بالقتال و لكن فقط على أن يرسل الله لهم ملكاً قائداً يقودهم إلى النصر.. فقط يرسله الله و سنتبعه كلنا إلى القتال في سبيل الله... قال لهم النبي (هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا) فردوا بعهودهم المعهودة (و مالنا ألا نقاتل في سبيل الله و قد أخرجنا من ديارنا و أبنائنا)… فماذا حدث بعد ذلك؟؟ (فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلاً منهم)… و كان هذا أول التولى و الفرار..
(و قال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً.. قالوا أنى يكون له الملك علينا و نحن أحق بالملك منه و لم يؤت سعة من المال).. و كانت هذه ثاني الحجج للتولي عن القتال في سبيل الله.. و مع ذلك لم يتركهم النبي بل دعاهم بالحجة و المنطق (إن الله اصطفاه عليكم و زاده بسطة في العلم و الجسم) بل و بالتأييد الإلهي (إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم و بقية مما ترك آل موسى و آل هارون تحمله الملائكة)… و لكن فيمن الحديث.. و لمن توجيه الكلام؟؟ لم يكن ذلك ليثنيهم عن الفرار من أرض المعركة.. ليتبقى لك المجموعة الت سارت وراء طالوت ملكاً.
(فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني و من لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده) فماذا كان رد الجنود الأوفياء على قائدهم الذي اختارهم الله لهم و أوجب عليهم طاعته في المنشط و المكره؟؟ كان ردهم (فشربوا منه إلا قليلاً منهم)… و كان هذا ثالث التولي و الفرار.. أن لا يستجيبوا لأمر قائدهم و هو المكلف من الله بقيادتهم..
و يسير طالوت بالقليل... فيرون قلتهم... فتبدأ الفئة القليلة في الاهتزاز و الشك بنصر الله و قدرته على نصرهم.. (فلما جاوزه هو و الذين أمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت و جنوده)… طلبا للفرار و التولي... و قد لا نلوموهم على ذلك .. فالفتنة كبيرة.. و لكن ينبغي أن تكون الثقة بالله أكبر...
و على الفور كان الرد سريعاً من الذين يظنون أنهم ملاقوا الله فعلاً (قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله)… لما وقعت المواجهة دعوا الله ربهم (قالوا ربنا أفرغ علينا صبراً و ثبت أقدامنا و انصرنا على القوم الكافرين)… و كما كان الرد سريعاً منهم على دعاة الهزيمة.. كان الرد سريعاً من الله و من أول المعركة (فهزموهم بإذن الله و قتل داوود جالوت)… لأن الجزاء من جنس العمل.. و من أتى إلى الله يمشي آتاه هرولة.. سبحانه و تعالى.
إلى هنا و انتهت القصة.. و هي تستحق أن تكون مادة لفيلم روائي طويل يشاهده الأجيال تلو الأجيال و يتعلموا منه... و لكن لا حاجة لنا في عمل فيلم لها.. فهذه الحادثة تتكرر كل عام!!
نعم.. في كل عام... نفس القصة تتكرر... و إن اختلفت الأحداث إلا أنها نفس القصة... أرى أن بعضكم يتهمني بالخبل و لكن هذه الحقيقة...
رمضان... يأتي علينا كل عام.. و قد ضرب الملايين له العهود و المواثيق، و مالنا ألا نصوم و نقوم و الحسنات مضاعفة أضعاف كثيرة، فلما كتب عليهم أن يبلغوا رمضان تولوا إلا قليلاً منهم... و تمضي الأيام، يوم و اثنين و ثلاثة.. و يحن البعض إلى أيام الماضي، فترى المساجد - و قد افترشت الأرض خارجها بالحصير في الأول الأيام - ، تجدها و قد بدأت تسحب الحصيرة تلو الأخرى، حتى تجد في نهاية الأسبوع الأول من رمضان بعض المساجد و قد أصبحت لا تفرش أي حصائر بالخارج... و المركب تسير.
أسبوع آخر يمر، و ترى العدد داخل المسجد يقل يوماً تلو الآخر، و ترى من كان يقول أنه الذي سيفعل كذا و كذا قد استقر به الأمر نائماً أو أمام التلفاز كسابق عهده قبل رمضان و هو يتمتم أنه لا فائدة فيه و أنه لن يستطيع أن يجاري هذا الشهر و أنه متعب للغاية ولا يحتمل.. آخر يقول أنه كان ينبغي له الاستعداد أكثر من ذلك قبل رمضان و أنه سيعاود الكرة رمضان القادم أما هذا الرمضان، فقد انتهى أمره...
في الأسبوع الثالث.. تجد أن الأمور قد عادت لسابق عهدها قبل رمضان.. و في الرابع تجد بعض الصحوات في أماكن متفرقة في الصلوات المسائية التماساً لليلة القدر ويكأن الله سيعطيها لمن نام طول الشهر.. ويكأن الجنة سلعة رخيصة سهلة المنال..
إنها يا إخواني.. قصة طالوت و جالوت... تتكرر كل عام.. فرصة تحين.. و فتن تظهر .. و أناس يتساقطون على الدرب.. حتى لا يتبقى إلا من ظنوا أنهم ملاقون الله سبحانه و تعالى... فمن أنت منهم؟؟
ندعو الله كما دعا من ظنوا ملاقاة الله أن يفرغ علينا صبراً يجعلنا من الصامدين إلى نهاية الشهر.. و إلى ما بعد بعد الشهر.. إنها البداية و ليست النهاية... و كما كانت هذه المعركة هي بداية التمكين الفعلي لبني إسرائيل في الأرض، -فسيدنا داوود عليه السلام هو أول ملوك بني إسرائيل-، ندعو الله أن يكون هذا الشهر هو بداية تمكيننا من أنفسنا و سريان حكم الله عليها إلى أن تلقى الله.. و هو ولي ذلك و عليه قدير.

ليست هناك تعليقات: